الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
.مَسْأَلَةٌ: سُنِّيَّةُ تَحْسِينِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَتَزْيِينِهَا: وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ الدَّارِمِيّ: «حَسِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ، فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا». وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ: «حُسْنُ الصَّوْتِ زِينَةُ الْقُرْآنِ». وَفِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ كَثِيرَةٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ حَسَّنَهُ مَا اسْتَطَاعَ، بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ إِلَى حَدِّ التَّمْطِيطِ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ فِي الْقُرْآن: فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا، وَعَنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ الْجِيزِيّ: أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: قَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ، بَلِ الْمَكْرُوهُ أَنْ يُفَرِّطَ فِي الْمَدِّ، وَفِي إِشْبَاعِ الْحَرَكَاتِ حَتَّى يَتَوَلَّدَ مِنَ الْفَتْحَةِ أَلِفٌ، وَمِنَ الضَّمَّةِ وَاوٌ، وَمِنَ الْكَسْرَةِ يَاءٌ، أَوْ يَدْغَمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِدْغَامِ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَلَا كَرَاهَةَ. قَالَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَة: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِفْرَاطَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ حَرَامٌ يَفْسُقُ بِهِ الْقَارِئُ وَيَأْثَمُ الْمُسْتَمِعُ؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ الْقَوِيمِ. قَالَ وَهَذَا مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالْكَرَاهَةِ. قُلْتُ: وَفِيهِ حَدِيثُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا، وَإِيَّاكُمْ وَلُحُونَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَأَهْلِ الْفِسْقِ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يُرَجِّعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ مَفْتُونَةٌ قُلُوبُهُمْ وَقُلُوبُ مَنْ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ». أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ طَلَبُ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَسَنِ الصَّوْتِ وَالْإِصْغَاءُ إِلَيْهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَلَا بَأْسَ بِاجْتِمَاعِ الْجَمَاعَةِ فِي قِرَاءَة الْقُرْآنِ وادارته بَيْنَهُمْ الْقِرَاءَةِ وَلَا بِإِدَارَتِهَا، وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ قِطْعَةً ثُمَّ الْبَعْضُ قِطْعَةً بَعْدَهَا. .مَسْأَلَةٌ: اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالتَّفْخِيمِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ: قَالَ: وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا كَرَاهَةُ الْإِمَالَةِ الَّتِي هِيَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْقُرَّاءِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ نَزَلَ بِالتَّفْخِيمِ فَرُخِّصَ مَعَ ذَلِكَ فِي إِمَالَةِ مَا يَحْسُنُ إِمَالَتُهُ. .مَسْأَلَةٌ: اسْتِحْبَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ وَخَفْضِهِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ: فَمِنَ الْأَوَّل: حَدِيثُ الصَّحِيحَيْن: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ، يَجْهَرُ بِهِ». وَمِنَ الثَّانِي: حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيّ: «الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ». قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِخْفَاءَ أَفْضَلُ، حَيْثُ خَافَ الرِّيَاءَ أَوْ تَأَذَّى مُصَلُّونَ أَوْ نِيَامٌ بِجَهْرِهِ، وَالْجَهْرُ بِالْقُرْآنِ وَفَوَائِده أَفْضَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ أَكْثَرُ، وَلِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَتَعَدَّى إِلَى السَّامِعِينَ، وَلِأَنَّهُ يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ، وَيَجْمَعُ هَمَّهُ إِلَى الْفِكْرِ، وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إِلَيْهِ، وَيَطْرُدُ النَّوْمَ، وَيَزِيدُ فِي النَّشَاطِ. وَيَدُلُّ لِهَذَا الْجَمْعِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ لِرَبِّهِ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يَرْفَعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضِكُمْ فِي الْقِرَاءَةِ». .مَسْأَلَةٌ: الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مِنْ حِفْظِهِ: قَالَ النَّوَوِيُّ: هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَالسَّلَفُ أَيْضًا، وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ: وَلَوْ قِيلَ إِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَيُخْتَارُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ لِمَنِ اسْتَوَى خُشُوعُهُ وَتَدَبُّرُهُ فِي حَالَتَيِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَمِنَ الْحِفْظِ. وَيُخْتَارُ الْقِرَاءَةُ مِنَ الْحِفْظِ- لِمَنْ يَكْمُلُ بِذَلِكَ خُشُوعُهُ، وَيَزِيدُ عَلَى خُشُوعِهِ وَتَدَبُّرِهِ لَوْ قَرَأَ مِنَ الْمُصْحَفِ؛ لَكَانَ هَذَا قَوْلًا حَسَنًا. قُلْتُ: وَمِنْ أَدِلَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَة مِنْ حِفْظ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ مَرْفُوعًا: «قِرَاءَةُ الرَّجُلِ فِي غَيْرِ الْمُصْحَفِ أَلْفُ دَرَجَةٍ وَقِرَاءَتُهُ فِي الْمُصْحَفِ تُضَاعَفُ أَلْفَيْ دَرَجَةٍ». وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ «فَضْلُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ نَظَرًا، عَلَى مَنْ يَقْرَؤُهُ ظَاهِرًا، كَفَضْلِ الْفَرِيضَةِ عَلَى النَّافِلَةِ». وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلْيَقْرَأْ فِي الْمُصْحَفِ»، وَقَالَ: إِنَّهُ مُنْكَرٌ. وَأَخْرَجَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ مَوْقُوفًا: «أَدِيمُوا النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ». وَحَكَى الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ مَا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلًا، وَحَكَى مَعَهُ قَوْلًا ثَالِثًا: إِنَّ الْقِرَاءَةَ مِنَ الْحِفْظِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا، وَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ اخْتَارَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مِنَ التَّدَبُّرِ مَا لَا يَحْصُلُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ. .مَسْأَلَةٌ إِذَا أُرْتِجَ عَلَى الْقَارِئِ فَلَمْ يَدْرِ مَا بَعْدَ الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ: وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: إِذَا شَكَّ الْقَارِئُ فِي حَرْفٍ مِنَ الْقُرْآنِ (كَحَرَكَتِهِ أَوْ نَقْطِهِ): هَلْ بِالتَّاءِ أَوْ بِالْيَاءِ؟ فَلْيَقْرَأْهُ بِالْيَاءِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ مُذَكَّرٌ. وَإِنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ: هَلْ هُوَ مَهْمُوزٌ أَوْ غَيْرُ مَهْمُوزٍ؟ فَلْيَتْرُكِ الْهَمْزَ، وَإِنْ شَكَّ فِي حِرَفٍ: هَلْ يَكُونُ مَوْصُولًا أَوْ مَقْطُوعًا؟ فَلْيَقْرَأْ بِالْوَصْلِ، وَإِنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ: هَلْ هُوَ مَمْدُودٌ أَوْ مَقْصُورٌ؟ فَلْيَقْرَأْ بِالْقَصْرِ، وَإِنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ: هَلْ هُوَ مَفْتُوحٌ أَوْ مَكْسُورٌ؟ فَلْيَقْرَأْ بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ لَحْنٍ فِي مَوْضِعٍ، وَالثَّانِي لَحْنٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. قُلْتُ: أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي يَاءٍ وَتَاءٍ، فَاجْعَلُوهَا يَاءً، ذَكِّرُوا الْقُرْآنَ». فَفَهِمَ مِنْهُ ثَعْلَبٌ أَنَّ مَا احْتُمِلَ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ كَانَ تَذْكِيرُهُ أَجْوَدَ. وَرُدَّ: بِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إِرَادَةُ تَذْكِيرِ غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ التَّأْنِيثِ لِكَثْرَةِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْهُ بِالتَّأْنِيثِ، نَحْوُ: {النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ} [الْحَجّ: 72]، {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [الْقِيَامَة: 29]، {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ} [إِبْرَاهِيمَ: 11] وَإِذَا امْتَنَعَ إِرَادَةُ غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ فَالْحَقِيقِيُّ أَوْلَى. قَالُوا: وَلَا يَسْتَقِيمُ إِرَادَةُ أَنَّ مَا احْتَمَلَ التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ وَاسْتَشْكَلَ عَلَى قَارِئِ الْقُرْآنِ غَلَبَ فِيهِ التَّذْكِيرُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق: 10]، {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الْحَاقَّة: 7] فَأَنَّثَ مَعَ جَوَازِ التَّذْكِيرِ قَالَ تَعَالَى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [الْقَمَر: 20]، {مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ} [يس: 80]. قَالُوا: فَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا فُهِمَ، بَلِ الْمُرَادُ بـ: (ذَكِّرُوا) الْمَوْعِظَةَ وَالدُّعَاءَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [ق: 45] إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ الْجَارَ، وَالْمَقْصُودُ ذَكِّرُوا النَّاسَ بِالْقُرْآنِ، أَي: ابْعَثُوهُمْ عَلَى حِفْظِهِ كَيْلَا يَنْسَوْهُ. قُلْتُ: أَوَّلُ الْأَثَرِ يَأْبَى هَذَا الْحَمْلَ. وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْأَمْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ثَعْلَبٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ وَلَمْ يُحْتَجْ فِي التَّذْكِيرِ إِلَى مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ ذُكِّرَ، نَحْوُ: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [الْبَقَرَة: 48]. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ هَذَا أَنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ- مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ كَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ- ذَهَبُوا إِلَى هَذَا، فَقَرَءُوا مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بِالتَّذْكِيرِ، نَحْوُ: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} [النُّور: 24] وَهَذَا فِي غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ. .مَسْأَلَةٌ: كَرَاهَةُ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ لِمُكَالَمَةِ أَحَدٍ: وَأَيَّدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا فِي الصَّحِيح: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ. وَيُكْرَهُ أَيْضًا الضَّحِكُ وَالْعَبَثُ وَالنَّظَرُ إِلَى مَا يُلْهِي. .مَسْأَلَةٌ: عَدَمُ جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْعَجَمِيَّةِ: وَوَجْهُ الْمَنْع: أَنَّهُ يُذْهِبُ إِعْجَازَهُ الْمَقْصُودَ مِنْهُ. وَعَنِ الْقَفَّالِ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تُتَصَوَّرُ، قِيلَ لَهُ: فَإِذَنْ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُفَسِّرَ الْقُرْآنَ؟ قَالَ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَعْضِ مُرَادِ اللَّهِ وَيَعْجِزَ عَنِ الْبَعْضِ، أَمَّا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ إِبْدَالُ لَفْظَةٍ بِلَفْظَةٍ تَقُومُ مَقَامَهَا، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ بِخِلَافِ التَّفْسِيرِ. .مَسْأَلَةٌ: عَدَمُ جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالشَّاذِّ: .مَسْأَلَةٌ: الْأَوْلَى الْقِرَاءَةُ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ: قَالَ: وَأَمَّا قِرَاءَةُ السُّورَةِ مِنْ آخِرِهَا إِلَى أَوَّلِهَا فَمُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِهِ، لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بَعْضَ نَوْعِ الْإِعْجَازِ، وَيُزِيلُ حِكْمَةَ التَّرْتِيبِ. قُلْتُ: وَفِيهِ أَثَرٌ، أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَنْكُوسًا، قَالَ: ذَاكَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ. وَأَمَّا خَلْطُ سُورَةٍ بِسُورَةٍ: فَعَدَّ الْحَلِيمِيُّ تَرْكَهُ مِنَ الْآدَابِ، لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّب: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِبِلَالٍ وَهُوَ يَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ. قَالَ: أَخْلِطُ الطَّيِّبَ بِالطَّيِّبِ. فَقَالَ: اقْرَأِ السُّورَةَ عَلَى وَجْهِهَا- أَوْ قَالَ- عَلَى نَحْوِهَا». مُرْسَلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مَوْصُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِدُونِ آخِرِهِ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ: «إِذَا قَرَأْتَ السُّورَةَ فَأَنْفِذْهَا». وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ سِيرِينَ عَنِ الرَّجُلِ يَقْرَأُ مِنَ السُّورَةِ آيَتَيْنِ، ثُمَّ يَدَعُهَا وَيَأْخُذُ فِي غَيْرِهَا؟. قَالَ: لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْثَمَ إِثْمًا كَبِيرًا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا ابْتَدَأْتَ فِي سُورَةٍ، فَأَرَدْتَ أَنْ تَتَحَوَّلَ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا فَتَحَوَّلْ، إِلَّا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. فَإِذَا ابْتَدَأَتْ فِيهَا فَلَا تَتَحَوَّلْ مِنْهَا حَتَّى تَخْتِمَهَا. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَقْرَءُوا بَعْضَ الْآيَةِ وَيَدَعُوا بَعْضَهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْآيَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، كَمَا أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِلَالٍ، وَكَمَا كَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّه: فَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنْ يَبْتَدِئَ الرَّجُلُ فِي السُّورَةِ يُرِيدُ إِتْمَامَهَا، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِي أُخْرَى، فَأَمَّا مَنِ ابْتَدَأَ الْقِرَاءَةَ وَهُوَ يُرِيدُ التَّنَقُّلَ مِنْ آيَةٍ إِلَى آيَةٍ، وَتَرَكَ التَّأْلِيفَ لِآيِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَأَنْزَلَهُ عَلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ قِرَاءَةِ آيَةً آيَةً مِنْ كُلِّ سُورَةٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَحْسَنُ مَا يَحْتَجُّ بِهِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا التَّأْلِيفَ لِكِتَابِ اللَّهِ مَأْخُوذٌ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ عَنْ جِبْرِيلَ، فَالْأَوْلَى لِلْقَارِئِ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى التَّأْلِيفِ الْمَنْقُولِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: تَأْلِيفُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ تَأْلِيفِكُمْ. .مَسْأَلَةٌ: اسْتِيفَاءُ كُلِّ حَرْفٍ أَثْبَتَهُ قَارِئٌ: وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ: إِذَا ابْتَدَأَ بِقِرَاءَةِ أَحَدٍ مِنَ الْقُرَّاءِ فَيَنْبَغِي أَلَّا يُزَادَ عَلَى تِلْكَ الْقِرَاءَةِ مَا دَامَ الْكَلَامُ مُرْتَبِطًا، فَإِذَا انْقَضَى ارْتِبَاطُهُ، فَلَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِقِرَاءَةٍ أُخْرَى. وَالْأَوْلَى دَوَامُهُ عَلَى الْأُولَى فِي هَذَا الْمَجْلِسِ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيّ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَتْ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ مُرَتَّبَةً عَلَى الْأُخْرَى مُنِعَ ذَلِكَ مَنْعَ تَحْرِيمٍ، كَمَنْ يَقْرَأُ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [الْبَقَرَة: 37]- بِرَفْعِهِمَا أَوْ نَصْبِهِمَا، أَخَذَ رَفْعَ آدَمَ مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَرَفْعَ كَلِمَاتٍ مِنْ قِرَاءَتِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ. وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ مَقَامِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الرِّوَايَةِ حَرُمَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فِي الرِّوَايَةِ وَتَخْلِيطٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التِّلَاوَةِ جَازَ. .مَسْأَلَةٌ: الِاسْتِمَاعُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ: .مَسْأَلَةٌ: السُّجُودُ عِنْدَ قِرَاءَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ:
|